30 يونيو.. الفن المصري في مواجهة جماعة الإخوان

لم يكن الفن يومًا على الهامش في لحظات التحول الكبرى التي مرت بها مصر، لكنه في ثورة 30 يونيو 2013 كان في قلب المواجهة، لاعبًا أساسيًا في التصدي لمحاولات جماعة الإخوان السيطرة على الدولة وتفريغها من مضمونها الوطني والثقافي.
منذ اللحظة التي اعتلت فيها الجماعة المشهد السياسي، أصبح واضحًا أن المعركة ليست فقط على السلطة، بل على هوية شعب عمره آلاف السنين. وكانت أولى ضرباتهم موجهة إلى الفن والمبدعين، باعتبارهم الخطر الأكبر على مشروعهم القائم على الإقصاء والتكفير.
رفض علني للجماعة الإرهابية
عدد كبير من الفنانين لم ينتظروا حتى تتدهور الأمور مواقف واضحة ومباشرة بدأت تظهر في الإعلام، وفي الشارع. فنانات مثل يسرا وإلهام شاهين أعلنّ رفضهن العلني لحكم الجماعة، وشاركوا في الحشود الجماهيرية التي نزلت للمطالبة بسقوط النظام. كذلك شارك فنانون مثل محمد صبحي وهاني شاكر وأحمد بدير في التعبير عن رفضهم لمحاولات تقييد الحريات باسم الدين.
لم تكن مواقف سطحية أو مدفوعة بالموجة، بل كانت نابعة من إحساس حقيقي بالخطر على هوية مصر الثقافية، ورفض لمحاولات تحويل الفن إلى هدف مشروع لحملات التكفير والتشهير.
معركة الفنانين ضد الإخوان
على عكس المواجهات السياسية المباشرة، كانت معركة الفنانين مع الإخوان معركة وعي، كلمات، مواقف، أغانٍ، مشاهد درامية، تصريحات.. كلها تحركت في اتجاه فضح المشروع الرجعي للجماعة، والتأكيد على أن مصر لا تقبل الوصاية الفكرية ولا تتحمّل أي شكل من أشكال التقييد الثقافي.
في الوقت الذي كانت فيه أبواق الجماعة تحرّض ضد الفنانين وتصفهم بـ"رموز الفجور"، كان الجمهور يحتشد حول الشاشات ليستمع لكلماتهم، ويستعيد مشاهد من أعمالهم التي طالما شكّلت وعيه الجمعي.
استهداف الفن والفنانين
لم يكن الفنان وحده مستهدفًا، بل كان المقصود هو الفن نفسه حريته، جرأته، مساحته في التعبير، قدرته على تشكيل العقل الجمعي ولذلك تحولت ثورة 30 يونيو إلى لحظة استعادة ليس فقط لحكم الدولة، بل لهويتها الثقافية التي حاول الإخوان محوها.
أغانٍ وطنية مثل "تسلم الأيادي" انتشرت كالنار، وأصبحت صوتًا موحدًا لشعب قرر أن يقول كلمته. وعاد المسرح ليستقبل الجماهير، والدراما لتناقش القضايا، والشاشة الكبيرة لتفتح ذراعيها من جديد للحرية.
بعد 30 يونيو
لم يتوقف دور الفنانين بعد سقوط الإخوان. استمروا في تقديم أعمال توثق ما جرى، وفي المشاركة في المناسبات الوطنية، وفي الدفاع عن الدولة ضد أي محاولات لجرّها إلى الخلف.
حفلات 30 يونيو السنوية، التي تُقام حتى اليوم، بمشاركة فنانين ومطربين ومبدعين، هي استمرار لدور الفن كجزء من بناء الدولة، لا مجرد زينة تُرفع وقت الفرح.
انتصار ثقافي وفني
ما حدث في 30 يونيو لم يكن انتصارًا سياسيًا فقط، بل كان انتصارًا ثقافيًا بامتياز. الفنانون لعبوا دورًا واضحًا ومباشرًا في كسر المشروع الظلامي، ودافعوا عن حريتهم، وعن صوتهم، وعن بلدهم. واليوم، بعد 11 عامًا، ما زال حضورهم في هذه الذكرى شاهدًا على أن الفن حين يكون منحازًا للوطن، يصبح أقوى من أي جماعة، وأصدق من أي شعار