أخر كلماته قبل وفاته لا أخاف من الموت بل من العذاب..ذكرى وفاة جميل راتب

تحل علينا اليوم ذكرى وفاة الفنان القدير جميل راتب، الذي غادر عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2018، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا غنيًا يمتد على مدار عقود، ويشهد على موهبة استثنائية وحضور فريد من نوعه، لم يكن راتب مجرد ممثل، بل كان قامة فنية جمعت بين الأصالة المصرية والخبرة العالمية، ونحتت لنفسها مكانة خاصة في قلوب الجماهير العربية.
مسيرة فنية عابرة للقارات
بدأت رحلة جميل راتب مع التمثيل في سن مبكرة، حيث شد الرحال إلى فرنسا لتحقيق حلمه، وهناك انخرط في عالم المسرح الأوروبي، ما صقل موهبته ومنحه خبرة واسعة وثقافة فنية عالمية،هذه التجربة الثرية انعكست لاحقًا على أدواره المتنوعة في السينما والتلفزيون والمسرح. وعلى الرغم من بداياته في فيلم "أنا الشرق"، فإن انطلاقته الحقيقية في مصر جاءت في منتصف السبعينيات، ليقدم بعدها ما يقارب 70 فيلمًا، إضافة إلى مشاركاته في أعمال أجنبية باللغتين الإنجليزية والفرنسية.
أدوار خالدة في السينما والدراما
تميز جميل راتب بقدرته الفائقة على تجسيد شخصيات الشر والكوميديا، مانحًا كل دور عمقًا إنسانيًا مميزًا، ومن أشهر أدواره التي تركت بصمة لا تمحى في الذاكرة في السينما ببراعة فائقة في تجسيد شخصيات معقدة ومركبة، يعد دوره في فيلم "الكيف" عام ١٩٨٥ واحداً من أيقونات السينما المصرية، حيث جسد شخصية "البهظ بيه" تاجر المخدرات المثقف بأسلوب فريد أظهر القدرة على الجمع بين الشر والجاذبية في آن واحد.
كما لمع في فيلم "البريء" عام ١٩٨٦، حيث قدم شخصية "سعيد جابر" رجل الأعمال الفاسد الذي يمثل السلطة القمعية، ليؤكد قدرته على أداء أدوار الشر بذكاء وعمق وفي فيلم "طيور الظلام" عام ١٩٩٥، جسد شخصية "رشدي الخيال" الوزير الوصولي، ليضيف إلى رصيده دوراً آخر يجمع بين النفوذ والفساد.
وبعيداً عن الأدوار المحلية، شارك جميل راتب في أعمال عالمية خالدة، أبرزها فيلم "لورانس العرب" عام ١٩٦٢، حيث أدى دوراً صغيراً ولكنه كان بمثابة بوابة له نحو العالمية، كما شارك في أفلام أجنبية أخرى مثل "Trapeze" و"Un été à La Goulette".
أبرز أدواره في الدراما التلفزيونية
لم تكن الدراما أقل أهمية في مسيرة جميل راتب، بل كانت مساحة أوسع لتقديم شخصيات اجتماعية وإنسانية مؤثرة،من أهم أدواره الدرامية هي شخصية "أبو الفضل" في سلسلة مسلسل "يوميات ونيس"، والتي قدمها على مدار عدة أجزاء تميزت هذه الشخصية بالحكمة والطيبة، وكانت بمثابة مرجع للأخلاق والقيم، ما جعلها من أقرب الأدوار إلى قلوب الجمهور.
كما أبدع في مسلسل "الراية البيضا" عام ١٩٨٨، حيث جسد شخصية السفير "مفيد أبو الغار" المثقف والأرستقراطي الذي يدافع عن الجمال والقيم الفنية في مواجهة الجهل والتخلف، وهو دور يظهر مدى قدرته على التعبير عن طبقات اجتماعية مختلفة.
ولعب راتب أدوارًا محورية أخرى في الدراما، مثل شخصية "صلاح أبو رحاب" في مسلسل "ضمير أبلة حكمت" عام ١٩٩١، وشخصية "جيوفاني" في مسلسل "زيزينيا"، لتتعدد أدواره بين الرجل الطيب والشرير، وتتأكد مكانته كفنان شامل.
تألق عالمي وعودة قوية
لم تقتصر موهبة جميل راتب على السينما المصرية فقط، بل امتدت لتشمل السينما العالمية، حيث شارك في أكثر من 7 أفلام فرنسية، إلى جانب أعمال عالمية شهيرة مثل فيلم "لورانس العرب" (Lawrence of Arabia) عام 1962، حيث جسد دور ضابط بريطاني، هذه المشاركات الأجنبية أكسبته خبرة واسعة وحضورًا فنيًا مميزًا، وجعلته أحد أبرز الفنانين المصريين الذين وصلوا للعالمية.
في منتصف السبعينيات، عاد جميل راتب إلى مصر ليحقق نجاحًا ساحقًا في السينما المصرية ،بعد ذلك، انهالت عليه العروض، وأصبح من أبرز نجوم السينما المصرية، حيث شارك في بطولة أكثر من 67 فيلمًا.
حياته الشخصية والتكريم
تزوج جميل راتب من فتاة فرنسية كانت تعمل بالتمثيل، لكنها اعتزلت الفن وتفرغت للعمل في مجال الإنتاج وإدارة المسرح في باريس، رغم انفصالهما، ظل يكن لها كل الاحترام والتقدير.
على مدار مسيرته الفنية الحافلة، نال جميل راتب العديد من التكريمات، تقديرًا لمسيرته الفنية الطويلة وإسهاماته الكبيرة في عالم الفن ففي عام 2005، تم تكريمه من مهرجان القاهرة السينمائي، وفي عام 2017، تم تكريمه في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، كما كرمته نقابة المهن التمثيلية عام 2015 ومنظمة الأمم المتحدة للفنون عام 2018.
رحل جميل راتب في 19 سبتمبر 2018، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا خالدًا وأعمالًا ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال.